اشترى صديقي أسامة جهاز جوال جديد بسعر ٤٠٠٠ ريال، وكان يشعر بأنه لم يصرف الكثير من أجل الحصول على هذا الجهاز “الكشخة” ذو المواصفات العالية. بعد فترة سألني عن برنامج للجوال لإدارة الوقت وتنظيم المهام، واقترحت عليه أحد البرامج المميزة لهذا الغرض، به العديد من المزايا والخواص، وكان سعر البرنامج ٤ دولار (١٥ ريال قطري تقريباً)، فنظر إلي في اندهاش، وقال لي أن البرنامج غالي جداً ويفضل برنامجاً مجانياً لأداء هذه المهمة.كنت أستغرب من هذه التصرفات، كيف أن شخصاً يدفع ٤٠٠٠ ريال لشراء جوال، ويستكثر دفع ١٥ ريال لشراء برنامج، حتى قرأت عن نظرية تسمى الميزانية الذهنية Mental Budgeting ، وهو سلوك للمستهلك بحيث يضع ميزانيات لبعض المصاريف الشخصية، كميزانية للترفيه وميزانية للمطاعم وميزانية للمستلزمات المنزلية، وغيرها من المصاريف. والكثير من الأشخاص لا يوجد في أذهانهم مصاريف لشراء برامج للجوال، لذلك سيجد أن أي مبلغ لشراء برنامج للجوال سيكون كبيراً، مهما كان المبلغ ضئيلاً.
وتشرح نظرية الميزانية الذهنية كذلك سلوك بعض الناس عندما يأتيه مبلغ ليس مخططاً للحصول عليه، كمافأة عمل أو جائزة حصل عليها، فإنه يصرفه بغير تخطيط، بالرغم من أنه قد يكون عليه بعض الديون، ولكنه قد لا يفكر في تسديد ديونه، لأن هذا المبلغ لم يضعه مع الأموال الموجودة لديه، بل يضعه في خانة “أموال زائدة عن الحاجة”، مما يجعله يصرف هذا المبلغ في أمور صغيرة وتافهة.
وتفسر هذه النظرية أيضاً السبب أن بعض الأشخاص قد يدفع ٥٠٠ ريال في مطعم لتناول وجبة عشاء فاخرة، ونفس الشخص يتبرع بمبلغ ٥٠ ريالاً فقط في صندوق للتبرعات، وذلك لأن الشخص لا يخلط بين الأمرين، بل يضع في خانة العشاء مبلغاً كبيراً، بينما يضع في خانة التبرعات مبلغاً أقل بكثير.
كل هذا الأمر يحدث بشكل غير مخطط له، فالشخص قد لا يعي أنه يقسم ميزانيته لمجموعة أقسام بداخل عقله، ولكنه يجري بشكل لا واعي عند المستهلك.
نصيحتي لك هو أن تنتبه لمثل هذا التقسيم، وتبدأ بوضع ميزانيتك الشخصية بطريقة احترافية وعقلانية، وتستخدم أي مبلغ تكتسبه سواء كنت مخططاً له أو غير ذلك بطريقة واقعية وعقلانية. وكذلك عليك أن تزرع هذه المهارة عند أبناءك، فينبغي عليك ألا تعطي ابنك مبلغاً كبيراً بشكل مفاجئ ليصرفه كيفما يشاء، بل علمه كيف يخطط لصرف مصروفه بشكل أفضل، وذلك عن طريق إعطاءه مبلغ محدد لجميع مصاريفه، وعلمه كيف يصرف جزء منه ويدخر أو يستثمر الجزء الآخر.