نظرية تأثير الفراشة The Butterfly Effect هي نظرية تقول أنه لو قامت فراشة بتحريك جناحيها الصغيرين، فإن حركة الهواء البسيطة الذي سيتحرك نتيجة تحريك الجناحين قد يكون له تأثير كبير في أماكن أخرى.
ويقول بعض العلماء أنه لو قامت فراشة بتحريك جناحيها في الصين، فإن نتيجة هذه الحركة قد تحدث أعاصير في البرازيل.
بغض النظر عن صحة هذا التأثير الكبير، والذي قد يعتبره البعض مبالغاً فيه، ولكني أحببت أن أورد بعض المبادرات التي قامت لها دبي، وكانت من أسباب نجاحها وتميزها، وكيف أن هذه المبادرات أثرت في مناطق كثيرة حولها تأثيراً إيجابياً زاد من قوة الجميع ورفعت جودة الحياة فيها، وحطمت كثيراً من الأفكار النمطية السائدة، ورفعت سقف الطموحات، وجعل المدن في المنطقة تتنافس وتتميز بشكل إيجابي.
أمست دبي من أكثر الوجهات السياحية في المنطقة جذباً للسياح، نافست في ذلك عدة مدن ومناطق لديها من المقومات ما لديها، من آثار وجبال ووديان وينابيع، فما هو السر في جاذبية دبي؟
هناك أسباب كثرة جداً لنجاح دبي، منها الرؤية الواضحة، وتطبيق معايير عالية للجودة، والاهتمام بالتفاصيل، وتطبيق الحلول الجذرية للمشاكل المزمنة، والإبداع، وغيرها الكثير. وفي هذا المقال سأركز على سبب واحد من أسباب نجاح دبي، وهو الريادة. فالكثير من الأفكار والمشاريع كانت دبي هي السباقة لتنفيذها وتطبيقها في المنطقة، وبعد نجاحها تقبلها الآخرين وبدأوا بتطبيقها (تأثير الفراشة)، ومن أمثلة ذلك:
- المراكز التجارية المتكاملة: كانت الأسواق في المنطقة عبارة عن أسواق متخصصة، فمثلاً سوق للذهب، وسوق للأقمشة، وغيرها، وتكون مملة لغير المهتمين بما يباع في السوق، ولكن دبي كانت أول من بدأ المراكز التجارية المتكاملة، فتجد بها سوبرماركت كبير، ومحلات متعددت، ومطاعم متنوعة، ودار للسينما، ومكان للألعاب، بحيث يكون هناك مكان لجميع أفراد الآسرة، ولمختلف الأعمار والإهتمامات، وكان أول مركز تجاري بهذا المفهوم يتم افتتاحه في دبي هو ديرة سيتي سنتر في عام ١٩٩٥ ، وكان به أول فرع لكارفور في المنطقة (في ذلك الوقت كان اسمه كونتينانت)، وهو الذي غير مفهوم السوبرماركت في المنطقة، وأول مركز تجاري يكون به فندق ملاصق به.
- الفنادق الفخمة جداً: عندما تم افتتاح فندق برج العرب عام ١٩٩٩، كان نقلة نوعية في مستوى الفنادق في المنطقة، وذلك بإنشاء فنادق تعتبر علامة رئيسية ومنافسة للفنادق الفخمة حول العالم، والتحدي هنا ليس فقط بإنشاء الفندق الفخم في جزيرة صناعية فقط، بل أيضاً بإدارته بشركة محلية تنافس الشركات العالمية، وهي شركة جميرا للفنادق، والتي أصبحت الآن أحد الأسماء اللامعة والمميزة في قطاع الفنادق.
- تنظيم شركات الأجرة: كانت سيارات الأجرة في أغلب دول المنطقة تعمل عن طريق التفاوض مع العميل، وعادة ماتكون سيارات مهترئة وذات رائحة كريهة، وغالباً ما تجد سيارات خاصة يعمل صاحبها بالأجرة لزيادة دخله بدون تصريح، من باب “خلوه يترزق”، حتى جاءت دبي ونظمت الفوضى بإنشاء أول شركة لسيارات الأجرة، يكون لسائقيها زي موحد نظيف، وسيارات حديثة، وأماكن مخصصة للوقوف، وطوابير منظمة، بل وأبدعت سيارات مخصصة للنساء فقط.
- طيران ينافس في غير السوق المحلي: جرت العادة في المنطقة أن شركات الطيران الوطنية وظيفتها الرئيسية نقل المسافرين من وإلى البلد، وعادة ما يسافر عليها فقط المقيمين في البلد، ولكن طيران الامارات كان سباقاً في المنافسة في غير السوق المحلي، ليس للسفر الى دبي فقط، وانما للترانزيت والسفر لوجهات أخرى، وذلك يحتم عليه المنافسة ليس بالسعر فحسب، بل في الخدمات المبتكرة والجودة العالية، ففي الهند مثلاً ومع الثورة الصناعية والاقتصادية، ظهرت فئة جديدة من المجتمع وهي الفئة المتوسطة من الشباب الذين لديهم شهادات ويعملون في شركات كبيرة برواتب مجزية، ويريدون السفر للسياحة او للعمل الى اوروبا وامريكا، ويقدر عددهم بـ 350 مليون شخص، لذلك سارعت شركات الطيران في المنافسة للدخول لهذا السوق الضخم، وفي مقدمتهم طيران الإمارات.
- الجودة في العمل الحكومي والمشاريع الحكومية: في الشرق الاوسط الحكومة هي المحرك الرئيسي للاقتصاد، وقامت دبي بكسر الصورة النمطية للخدمات الحكومية المعروفة بالبيروقراطية والتأخير والصرف الكبير والعائد الصغير، فأصبحت الخدمات الحكومية ذات جودة عالية تنافس جودة القطاع الخاص، مما جعل القطاع الخاص يرتقي بخدماته للحاق بالحكومة، مما جعل الخدمات في كل البلد تكون عالية جداً.
- إمكانية منافسة المدن الأوروبية والأمريكية: الصورة النمطية التي كانت سائدة ان منافسة المدن الاوروبية والامريكية صعب بل ومستحيل، ولكن مع المشاريع والخدمات التي قامت بها دبي اثبتت بذلك ان ذلك مجرد وهم.
- المشاريع العقارية العملاقة: كانت المشاريع العقارية في المنطقة تتمحور على بعض المساكن للمواطنين والمقيمين، ولكن دبي هي اول من قامت ببناء مشاريع عملاقة متكاملة، كل مشروع عبارة عن مدينة صغيرة بها مساكن واسواق ومدارس ومكاتب ومنتزهات، وكل مشروع له طابعه الخاص الذي يميزه.
- شركات حكومية للإستثمار المحلي: النمط المعروف هو أن تقوم الحكومة بإنشاء او شراء او استملاك شركات للاستثمار خارج البلد، ولكن دبي استحدثت مفهوم الشركات الحكومية التي تقوم بالاستثمار المجدي للمشاريع محلياً.
- البدء من حيث انتهى الآخرون: الكلمة السائدة في المنطقة “احنا وين وهم وين!”، ولكن دبي هي اول من استطاعت كسر هذه القاعدة السلبية، والاستفادة من اخطاء الآخرين والبناء عليه.
- اول من ادخل مشاريع ناطحات السحاب: كانت المدن الامريكية مشهورة بناطحات السحاب العالية، وتبعتها بعض المدن الآسيوية، وكانت دبي اول من ادخل مثل هذه المشاريع للمنطقة، وجوهرة هذه المشاريع برج خليفة، أطول بناء بناه الإنسان في التاريخ.
هناك الكثير من من الأمور والأوجه الأخرى التي جعلت دبي تتميز وتكسر حواجز كثيرة، وتأثير هذا التميز لم ينعكس على دبي فقط، بل على الكثير من المدن الأخرى التي تميزت هي الأخرى بعد مبادرات انطلقت من دبي، مما جعل سقف الطموح يرتفع عند الجميع.
ولازلت شخصياً أنتظر المزيد من الإبداع والتميز من دبي، والتي حتماً سيكون لها تأثير إيجابي على الآخرين.